Posted by TAHIR BAKRI,
vendredi 25 mars 2011
,
in
العلمية,
الوثائقية
العلمية تقدم لكم :الباحثون : التكنولوجيا النانو
تكنولوجيا "النانو".. السم في العسل
د. منال ركابي
جذبت تكنولوجيا النانو بتطبيقاتها المتعددة اهتمام كل الفئات، علماء ورجال أعمال وحكومات الدول المتقدمة على حد سواء، إذ رأوا فيها ثورة صناعية جديدة من شأنها أن تؤدي إلى تغيير الطريقة التي تشيد بها معظم المواد وتنتج بها أغلب المنتجات، بما يقلل من الخامات والطاقة اللازمة للإنتاج، ويزيد من كفاءة المنتوجات، ويكسبها خصائص لم تكن لها من قبل، الأمر الذي يترتب عليه زيادة قيمة الأشياء. ومع تسليمنا بأنها تكنولوجيا الحاضر والمستقبل، فإن السؤال حول مدى أثرها على صحة وحياة البشر وعلى البيئة أيضا ما زال قائما؟ حيث يثور جدل حول احتمال احتواء المواد والمنتوجات التي أفرزتها تلك التكنولوجيا الواعدة على درجة عالية من السمية مما ينذر بالخطر ويمثل تحديا خطيرا للبيئة. وعلى الرغم من أن الآثار السلبية المحتملة للمنتوجات المصنعة بهذه التكنولوجيا الواعدة على صحة الإنسان ما زالت مجهولة ومتزايدة إلى حد كبير برغم جميع إجراءات السلامة التي يتم اتباعها فإن المئات منها قد غمر الأسواق بالفعل في جميع المجالات من الملابس إلى الطب إلى عجائن تنظيف وتبييض الأسنان إلى الطرق السريعة ومواد المحافظة على الحيوية والجمال والرشاقة.. إلخ، ولا تزال الأبحاث وتجارب وعمليات الإنتاج تجرى على قدم وساق لإنتاج المزيد منها. ويمكن القول إن الإنسان يتناول الكثير من هذه المواد المصنعة من تقنية النانو مع غذائه وشرابه، فهي تنفذ إلى الجسم عبر مسام الجلد من خلال مساحيق التجميل وعدد من الزيوت والكريمات وخاصة الأنواع المستخدمة للحماية من الأشعة فوق البنفسجية والمخصصة والمضادة للتجاعيد، إلى جانب عدد من مواد تنظيف الأسنان خاصة الأنواع المستخدمة للتبييض، والتي يثور الشكوك حول إمكانية إحداثها لخدوش باللثة وتقلل من سمك الأسنان، فضلا عن المياه التي يغسل أو يشطف بها وأحواض السباحة وتمثل الجروح والندوب والتشققات والثنايات الجلدية أكثر المواضع لنفاذية المواد الخطرة للجسم. ولذا فعلينا أن نتعرف على الفوائد المكتسبة والآثار السلبية لهذه الثورة التكنولوجية الجديدة والتغييرات التي ستحدثها بحياتنا لنجني ثمارها ونتجنب أو نقلل مضارها ولنكون على يقين من أنها لن تسمنا في الوقت ذاته. ما هي تكنولوجيا النانو تعبر تكنولوجيا النانو عن القدرة المذهلة على إعادة تشكيل وصياغة جانب أو أكثر من التركيبة البنائية ثلاثية الأبعاد للمواد (الطول أو العرض أو السمك)، كل على حدة على مستوى الذرة أو واحد من البليون للمتر (1 * 10 - 9M) وترتيب ذرات كل جزيء بما يتيح بناء هياكل جديدة تختلف خصائصها الفيزيائية كثيرا عن الهياكل الأصلية. وتساعد إعادة الهيكلة السابقة على إدخال تحسينات كبيرة على أداء المواد، وتخفيض عال في التكلف، إذ تمكننا من توفير قدر كبير من المواد الخام والطاقة اللازمين للإنتاج وتزيد من قدراتنا على تقييم وحل المشاكل البيئية. وعلى سبيل المثال: يمكن استخدام تطبيقات تكنولوجيا النانو في مجال المنسوجات لإنتاج أقمشة مضادة للجراثيم والفطريات، وجعل الأقمشة القطنية والصوفية غير قابلة للبلل فضلا عن إكساب هذه الأقمشة القدرة على مقاومة الحرائق وكذلك إنتاج ملابس أكثر راحة للعمال وتزويد السترات العسكرية بتقنيات التمويه والاستشعار عن بعد، والكشف المبكر عن وجود غازات سامة أو جرثومات بيولوجية أو مواد كميائية ضارة بالهواء لتوفير حماية أكبر للجنود. ومثلها مثل كل التقنيات الخادمة للبشر تم استخدامها في تدمير البشر، فقد تم تصنيع أسلحة أكثر فتكا وأصغر حجما وأخف وزنا باستخدام هذه التقنية، فيمكنها على سبيل المثال تحميل المقذوفات بمواد دقيقة تنطلق في الهواء لمسافات بعيدة ليستنشقها الهدف، أو تلتصق بجلده أو تختلط بغذائه وبشرابه وتخترق خلايا جسده لتسري في دورته الدموية وتحدث به التأثير المطلوب الذي قد يمتد لسنوات، مما دفع بالعديد من المنظمات المعنية إلى مطالبة العلماء والسياسيين بمراجعة الجوانب الأخلاقية لتطبيقات النانو في المجالات العسكرية وعدم التوسع في استخدامها في تطوير أسلحة أكثر فتكا وأشمل دمارا. نقص المعلومات ولعل الخطر الأساسي الناجم عن تقنية النانو -كما أكد المشاركون في ورشة العمل التي نظمتها وكالة حماية البيئة الأمريكية التابعة لـ"المركز الوطني للبحوث البيئية"- يكمن في نقص المعلومات المتاحة حول الآثار الجانبية الصحية والبيئية المحتملة لتطبيقاتها، ويلخص البروفيسير مارك ويزنر الأستاذ بمركز "تقنية النانو والبيولوجية والبيئية" بجامعة رايس المشكلة بقوله "في الواقع لا يعرف الكثير عن الآثار الصحية والتأثيرات البيئية المرتبطة بتكنولوجيا النانو". كما حذر علماء في جامعة لهاي من عدم القدرة على التعرف على تأثير الألوان الداكنة التي تحملها الجسيمات المتناهية الصغر العالقة بالماء والهواء ومدى صلاحيتهما للاستخدام وأثرها على التمثيل الضوئي للنبات، وأبدى العلماء مزيدا من القلق حول تزايد المخاطر الصحية المحتملة لذلك، وأثاروا العديد من التساؤلات عن سرعة رد فعل جزيئات المواد المختلفة عندما تصغر إلى الحجم النانومتري، وكذلك التلوث الناجم عن الارتفاع الكبير لمعدلات الامتصاص لتلك الجسيمات الدقيقة، حيث تسلك العناصر المصغرة للحجم النانومتري، نظرا لصغر حجمها الشديد ومساحتها الكبيرة، مسلكا مغايرا للمعهود عنها في حجمها الطبيعي. وتناولت معظم البحوث الجسيمات الأكبر حجما، وخرجوا بنتائج تؤكد على الحاجة إلى اتباع نهج علمي لرصد ومعالجة أو تخفيف درجة السمية العالية للملوثات، فهناك حاجة ماسة لتحديد تكوين جسيمات المعادن الثقيلة مثل الكادميوم والزئبق والزرنيخ في الهواء، كما أن التكنولوجيات التقليدية كثيرا ما تكون غير كافية لخفض تركيزات تلك العناصر السامة في مياه الصرف إلى مستويات مقبولة. قلق متزايد ورغم أنه لم ترصد بعد حالة تسمم واحدة بالمواد المهندسة بتقنية النانو فإن هناك قلقا متزايدا بين الباحثين إزاء المواد السامة التي تحملها الجزيئات المتناهية، وقدرتها على اختراق جدران الخلايا وسريانها مع تيار الدورة الدموية ونفاذها إلى الأغشية الدماغية، والتي تحمي المخ من التأثر بالمواد الكميائية الضارة التي تجري في الدم. ويتزايد القلق أكثر لدى الدراسات ذات الصلة بعلوم السموم، وإزاء الطرق التي يمكن لهذه المواد أن تدخل جسم الإنسان خاصة أن الطريق الأكثر احتمالا وخطورة هو استنشاق الإنسان لها مع الهواء، ونفاذها عبر الجهاز التنفسي لتستقر بكل جزء من رئتيه مخلفة تأثرات أكثر خطورة من جزيئات الكربون الأسود أو الكوارتز، فضلا عن أنه من الثابت أن التعرض لجسيمات المواد الخطرة لفترات طويلة (بحجمها العادي أو النانومتري) يزيد من احتمالية التعرض للإصابة بسرطان الرئة وأمراض القلب بدرجة كبيرة. ومن جانبه أبدى فيكي كولفين مدير مركز "تقنية النانو والبيولوجية والبيئية" بجامعة رايس المزيد من القلق إزاء الآثار الضارة للجزيئات غير العضوية وغيرها من العواقب المترتبة على المواد المتناهية الصغر على الصحة العامة منذ الثورة الصناعية، وقال إن أكثر مجالين من المجالات المثيرة للقلق حاليا هو تأثير الجسيمات المتناهية الصغر على الرئتين، واحتمالية تسربها غير المرغوب به للجسم خلال العمليات الجراحية، إذ ستتحول قدرتها على اختراق الخلايا البشرية والتي ينظر إليها باعتبارها من أبرز إنجازات تطبيقات تقنية النانو في العلوم الطبية إلى عكس المراد منها، وتصبح ذات تأثير ضار حال كونها تعمل خارج نطاق السيطرة، ولذا فهناك حاجة ماسة لاكتشاف طرق جديدة تماما للتعرف على ما إذا كانت هذه المواد ستتفاعل مع الجسم البشري الذي غزته عنوة أو تظل خاملة وقياس مدى هذا التفاعل ورصد نتائجه ولا تزال فرص اكتشاف وسائل وأدوات جديدة لقياس هذا التفاعل وتحديد درجة سميته مفتوحة. خال من النانو ومن أجل ذلك وما هو أكثر، وجهت العديد من الجماعات الأهلية المعارضة للهندسة الوراثية في جميع أنحاء العالم جهودها لحث العلماء ذوي الاهتمام ببحوث وتطبيقات تكنولوجيا النانو على استكشاف الآثار والمخاطر المحتملة لتلك التقنية الواعدة، والاضطلاع بمسئولياتهم الواجبة بهذا الصدد، وقامت رابطة المحافظة على التربة الزراعية بإصدار قرار بحظر استخدام تقنيات النانو في المجال الزراعي ومنح شهادات تحمل أول علامة على مستوى العالم تفيد تثبتها من خلو المنتج الزراعي الصادرة له تلك الشهادات من تقنية النانو، والتي أصبحت تستخدم الآن على نطاق واسع بالمملكة المتحدة، إذ تحملها نحو 80% من منتجات الزراعة الحيوية هناك، وهو ما دعا عدد من الجمعيات الأهلية الناشطة بمجال الزراعة الحيوية بالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا إلى اعتماد عدم استخدام المواد المتناهية الصغر بين شروط ومعايير العضوية بها. وفي منتصف عام 2007 اجتمع أكثر من 40 من ناشطي العمل الأهلي وأصدروا بيانا تضمن عددا من الدعوات إلى اتخاذ إجراءات وقائية، ووضع لوائح ومعايير محددة للمنتجات، وتحديد المسئولية الجديدة لمنتجيها، ولكن إلى الآن لم تسن تشريعات حكومية لتقييم سلامة المواد. وما هو أكثر خطرا أن الدول الغنية ذات الإمكانات العالية للبحث العلمي هي التي ترعى أبحاث ومنتوجات النانو ومن الطبيعي أن تسخرها لما يخدم أغراضها ومصالحها وتجني ثمارها الطيبة، بينما تقف الدول الفقيرة ماديا أو تكنولوجيا -والتي تنتمي لها جميع شعوب العالم الإسلامي- مكتوفة الأيدي لا تدري أخير يراد بها أم شر يضمر لها، وإن كان الأمر قياسا على ما سبق لا يعدو أن يكون سوقا لتصريف منتوجات النانو ومقبرة للنفايات النانوية ذات السمية العالية الممتدة المفعول في الوقت ذاته. المصدر : موقع بلاغ